سورة البقرة - تفسير تفسير البيضاوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (البقرة)


        


{فِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ الله مَرَضًا} المرض حقيقة فيما يعرض للبدن فيخرجه عن الاعتدال الخاص به ويوجب الخلل في أفعاله. ومجاز في الأعراض النفسانية التي تخل بكمالها كالجهل وسوء العقيدة والحسد والضغينة وحب المعاصي، لأنها مانعة من نيل الفضائل، أو مؤدية إلى زوال الحياة الحقيقية الأبدية. والآية الكريمة تحتلهما فإن قلوبهم كانت متألمة تحرقاً على ما فات عنهم من الرياسة، وحسداً على ما يرون من ثبات أمر الرسول صلى الله عليه وسلم واستعلاء شأنه يوماً فيوماً، وزاد الله غمهم بما زاد في إعلاء أمره وإشادة ذكره، ونفوسهم كانت موصوفة بالكفر وسوء الاعتقاد ومعاداة النبي صلى الله عليه وسلم ونحوها، فزاد الله سبحانه وتعالى ذلك بالطبع. أو بازدياد التكاليف وتكرير الوحي وتضاعف النصر، وكان إسناد الزيادة إلى الله تعالى من حيث إنه مسبب من فعله وإسنادها إلى السورة في قوله تعالى: {فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا} لكونها سبباً.
ويحتمل أن يراد بالمرض ما تداخل قلوبهم من الجبن والخور حين شاهدوا شوكة المسلمين وإمداد الله تعالى لهم بالملائكة، وقذف الرعب في قلوبهم وبزيادته تضعيفه بما زاد لرسول الله صلى الله عليه وسلم نصرة على الأعداء وتبسطاً في البلاد.
{وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} أي: مؤلم يقال: ألم فهو أليم كوجع فهو وجيع، وصف به العذاب للمبالغة كقوله:
تحيةُ بينِهمْ ضَرْبٌ وَجِيعُ ***
على طريقة قولهم: جد جده.
{بِمَا كَانُواْ يَكْذِبُونَ} قرأها عاصم وحمزة والكسائي، والمعنى بسبب كذبهم، أو ببدله جزاء لهم وهو قولهم آمنا. وقرأ الباقون: {يُكَذِّبُونَ}، من كذبه لأنهم كانوا يكذبون الرسول عليه الصلاة والسلام بقلوبهم، وإذا خلوا إلى شياطينهم. أو من كذَّب الذي هو للمبالغة أو للتكثير مثل بين الشيء وموتت البهائم. أو من كذب الوحشي إذا جرى شوطاً وقف لينظر ما وراءه فإن المنافق متحير متردد. والكذب: هو الخبر عن الشيء على خلاف ما هو به. وهو حرام كله لأنه علل به استحقاق العذاب حيث رتب عليه. وما روي أن إبراهيم عليه الصلاة والسلام كذب ثلاث كذبات، فالمراد التعريض. ولكن لما شابه الكذب في صورته سمي به.


{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِى الأرض} عطف على {يَكْذِبُونَ} أو {يِقُولُ}. وما روي عن سلمان رضي الله عنه أن أهل هذه الآية لم يأتوا بعد فلعله أراد به أن أهلها ليس الذين كانوا فقط، بل وسيكون من بعد من حاله حالهم لأن الآية متصلة بما قبلها بالضمير الذي فيها. والفساد: خروج الشيء عن الاعتدال والصلاح ضده وكلاهما يعمان كل ضار ونافع.
وكان من فسادهم في الأرض هَيْجُ الحُروب والفتن بمخادعة المسلمين، وممالأة الكفار عليهم بإفشاء الأسرار إليهم، فإن ذلك يؤدي إلى فساد ما في الأرض من الناس والدواب والحرث.
ومنه إظهار المعاصي والإهانة بالدين فإن الإخلال بالشرائع والإعراض عنها مما يوجب الهرج والمرج ويخل بنظام العالم. والقائل هو الله تعالى، أو الرسول صلى الله عليه وسلم، أو بعض المؤمنين. وقرأ الكسائي وهشام: {قُيْل} بإشمام الضم الأول.
{قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ} جواب ل {إِذَا} رد للناصح على سبيل المبالغة، والمعنى أنه لا يصح مخاطبتنا بذلك، فإن شأننا ليس إلا الإصلاح، وإن حالنا متمحضة عن شوائب الفساد، لأن إنما تفيد قصر ما دخلت عليه على ما بعده. مثل: إنما زيد منطلق، وإنما ينطلق زيد، وإنما قالوا ذلك: لأنهم تصوروا الفساد بصورة الصلاح لما في قلوبهم من المرض كما قال الله تعالى: {أَفَمَن زُيّنَ لَهُ سُوء عَمَلِهِ فَرَءاهُ حَسَناً}


{أَلا إِنَّهُمْ هُمُ المفسدون ولكن لاَّ يَشْعُرُونَ} رد لما ادعوه أبلغَ رد للاستئناف به وتصديره بحرفي التأكيد: {ألا} المنبهة على تحقيق ما بعدها، فإن همزة الاستفهام التي للإنكار إذا دخلت على النفي أفادت تحقيقاً، ونظيره {أليس ذلك بقادر}، ولذلك لا تكاد تقع الجملة بعدها إلا مصدرة بما يلتقي به القسم، وأختها أما التي هي من طلائع القسم: وإن المقررة للنسبة، وتعريف الخبر وتوسيط الفصل لرد ما في قولهم: {إنما نحن مصلحون} من التعريض للمؤمنين، والاستدراك ب {لاَّ يَشْعُرُونَ}.
{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ ءامِنُواْ} من تمام النصح والإرشاد فإن كمال الإيمان بمجموع الأمرين: الإعراض عما لا ينبغي وهو المقصود بقوله: {لاَ تُفْسِدُواْ}، والإتيان بما ينبغي وهو المطلوب بقوله: {ءامَنُواْ} {كَمَا ءامَنَ الناس} في حيز النصب على المصدر، وما مصدرية أو كافة مثلها في ربما، واللام في الناس للجنس والمراد به الكاملون في الإنسانية العاملون بقضية العقل، فإن اسم الجنس كما يستعمل لمسماه مطلقاً يستعمل لما يستجمع المعاني المخصوصة به والمقصودة منه، ولذلك يسلب عن غيره فيقال: زيد ليس بإنسان، ومن هذا الباب قوله تعالى: {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْىٌ} ونحوه وقد جمعهما الشاعر في قوله:
إذ الناسُ ناسٌ والزمانُ زمان ***
أو للعهد، والمراد به الرسول صلى الله عليه وسلم ومن معه. أو من آمن من أهل جلدتهم كابن سلام وأصحابه، والمعنى آمنوا إيماناً مقروناً بالإخلاص متمحضاً عن شوائب النفاق مماثلاً لإيمانهم، واستدل به على قبول توبة الزنديق وأن الإقرار باللسان إيمان وإن لم يفد التقييد. {قَالُواْ أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السفهاء} الهمزة فيه للإنكار، واللام مشار بها إلى الناس، أو الجنس بأسره وهم مندرجون فيه على زعمهم، وإنما سَفَّهُوهُم لاعتقادهم فساد رأيهم، أو لتحقير شأنهم، فإن أكثر المؤمنين كانوا فقراء ومنهم موالي: كصهيب وبلال، أو للتجلد وعدم المبالاة بمن آمن منهم إن فسر الناس بعبد الله بن سلام وأشياعه. والسفه: خفة وسخافة رأي يقتضيهما نقصان العقل، والحلم يقابله.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8